الفهرس
موريتانيا والمنافسة الغربية الروسية
عبد الحي ابن يعيش
تشهد السنوات الأخيرة تنافس القوى العالمية الكبرى بالأخص روسيا، الصين، الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي أعضاء حلف الشمال الأطلسي الناتو، بغية الحصول على موطئ قدم في شمال وجنوب منطقة الساحل الأفريقي.
يحتدم الصراع الديبلوماسي بين الغرب وروسيا بخصوص موريتانيا ذات المكانة المرموقة جيوستراتيجيا في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة بعد الفشل الذريع لقوات حفض السلام الغربية في منطقة الساحل.
تعاني الدول الخمس في الساحل الأفريقي تحديات أمنية كبيرة بالأخص بعد الإعلان الرسمي عن انتهاء مهمة قوات برخان في مالي، وكون منطقة الساحل الإفريقي تفتقد لغطاء جوي من الطيران المقاتل بالإضافة للإكراهات الأمنية المرتبطة بنشاطات الجماعات الإرهابية خاصة في النيجر، بوركينافاسو ومالي،
هذا ما جعل روسيا تقترح مد جسور التعاون متعدد الاطراف مع مجموعة دول الساحل الخمسة التي تندرج موريتانيا في قائمتها.
موريتانيا والمنافسة الغربية الروسية
العلاقات الموريتانية الروسية
تعتبر زيارة وزير خارجية روسية سيرجي لافروف إلى موريتانيا الأولى من نوعها منذ تأسيس روسيا الاتحادية، فما السر وراء هذه الزيارة؟
تشهد الظرفية العالمية الراهنة تغيرات جسام خاصة بعد تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي بموجبها يضيق الناتو ودول الاتحاد الاوروبي الخناق على روسيا التي تسعى لفرض هيمنتها تدريجيا على دول الساحل الخمس بغية الضغط العكسي والمباشر على كل من الدول الأعضاء في حلف الشمال الأطلسي والاتحاد الاوروبي،
فبعد دخول روسيا لجمهورية مالي بعد أحداث الانقلاب عن طريق مجموعة فاغنر الروسية التي تناور حاليا في الساحل الإفريقي وتدعي حماية المنطقة ومصالح موريتانيا لكنها في الواقع تحمل في طياتها تكتيكات جيوستراتيجية مسطرة عكس ادعاءاتها المزعومة.
ترفع روسيا شعار خلق شراكات عسكرية وإقتصادية وحماية مصالح دول الساحل الأفريقي والحفاض على الأمن القومي للمنطقة، فمن هذا المبدأ هيمنت القوى الروسية على جل المنطقة حتى بلغت الحدود الموريتانية التي تعتبر آخر دولة في أجندة الدب الروسي، فهل ستستطيع روسيا تحقيق اهدافها في موريتانيا؟
الاتفاقيات الروسية الموريتانية
تربط روسيا بالدول الإفريقية كموريتانيا علاقات متمثلة في الاتفاقيات التي تجمع البلدين في مجالات متعددة تندرج بالأساس ضمن الإطار التعيلمي الأكاديمي الذي تستفيد منه البعثات الطلابية سنويا بالإضافة لإتفاقيات الصيد البحري،
فهذه الشراكات لم ترقى يوما الى حضور وزير الخارجية الروسي الى نواكشوط لكي يتحدث عن العلاقات التي تجمع البلدين و عن توثر مواقف روسيا إزاء الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
تؤكد الديبلوماسية الروسية مؤخرا التزامها بإحترام قرارات المؤسسات الحكومية الموريتانية وقرارات رئيسها والتنويه بالدور الموريتاني الفعال في الوفاء بالاتفاقيات والإلتزامات التي تجمعها بدول المنطقة والعالم خاصة في قضايا مكافحة الإرهاب،
تشيد روسيا بالعلاقات الطيبة التي تجمع الجمهورية الموريتانية بدول الساحل الإفريقي والدول الغربية، فالموقع الإستراتيجي لموريتانيا وثرواتها الطاقية تحظى بإهتمام الروس لضخ اتفاقيات في المجال الاقتصادي بهدف التقارب وتنويع الشركاء الاقتصادين خاصة في منطقة الساحل الافريقي وكون هذه الإتفاقيات لن تؤثر سلبا على العلاقات الموريتانية مع شركائها الأمريكيين والأوروبين.
تبين زيارة الوزير الروسي الأخيرة لكل من مالي وموريتانيا جليا أن الهدف ليس مجرد شراكة إقتصادية بين هذه الدول كما هو مروج له، بل يتخطاها للجانب الجيوستراتيجي والأمني، يمكن تعليله بغياب اللجنة الاقتصادية الروسية والموريتانية عن هذا اللقاء.
تعتبر موريتانيا قوة ذات سيادة لا حاجة لها لتدخل أجنبي من أجل حفض استقرارها، بل بالعكس فالدب الروسي قد يكون في أمس الحاجة لموريتانيا من أجل التعاون مع مالي التي تعج بالقواعد العسكرية الروسية بغية تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية خاصة المتواجدة منها في الشمال.
يتوغل الروس بالقوة الناعمة في جمهورية إفريقيا الوسطى خاصة بعد تآكل النفود الفرنسي في منطقة الساحل، يأتي هذا بعد المسيرات الشعبية في العاصمة المالية باماكو المطالبة بخروج القوات الفرنسية والتعاون مع روسيا في جل عواصم دول الساحل الخمسة إضافة للحشود الجماهيرية وسط القارة الإفريقية.
التقارب الروسي الموريتاني
ان التقرب الروسي من موريتانيا لن يكون في مصلحة موريتانيا بصفه عامة بقدر ما هو الحال بالنسبة للروس بل قد يجر على موريتانيا تبعيات الدخول في صراعات مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة كما هو الحال في دول الساحل الخمس المجاورة التي لم تفلح قوات برخان الفرنسية ولا فاغنر الروسية من تقليل خطورتها.
تتعدى اهداف روسيا كونها مجرد اتفاقيات اقتصادية مع موريتانيا، لكون الإستراتيجية الروسية التوسعية لا تتوافق مع سياسة الجمهورية الموريتانية المتسمة بالتوازن وتجنب اللعب في الماء العكر خاصة مع الدول المجاورة كالمملكة المغربية شمالا و الجمهورية المالية غربا.
علاقة موريتانيا بحلف الناتو
يدخل الملف الموريتاني ضمن أولويات حلف الشمال الأطلسي المتطلع لتعزيز تحالفه عسكريا مع موريتانيا لكبح المد الروسي في المنطقة، واقتصاديا لكون الجمهورية الموريتانية تعد بلدا منتجا ومصدرا للغاز الطبيعي،
فمن الناحية الاقتصادية مساهمة الناتو في ضمان توفير الغاز الطبيعي من الحقول البحرية في المياه الإقليمية الموريتانية وعسكريا تواجد الحلف الأطلسي في المنطقة، بإمكانه تسريع مشروع بناء خط انابيب الغاز النيجيري المغربي الممتد على طول الساحل الغربي لأفريقيا وكون الشراكة الموريتانية مع الناتو بإمكانها تعزيز تمركز الحلف الأطلسي في المنطقة بواسطة القواعد العسكرية لمواجهة التوسع الروسي في ساحل وغرب القارة الإفريقية.
تتمثل كرونولوجيا تهافت القوى العالمية الكبرى في السنوات الماضية للظفر بإتفاقيات عسكرية مع موريتانيا، يالعرض الصيني سنة 2015 مقابل حماية أمنها القومي ومساعدتها على السيطرة على منطقة الشمال والجنوب الساحلي الافريقي، تلاها مباشرة عرض خدمات روسيا بهدف المشاركة في عمليات تعزيز الآليات العسكرية وقطاع الغيار الخاصة بها،
ثم تفطن بذلك حلف الشمال الاطلسي والذي قدمت على اثره الولايات المتحدة الأمريكية تقاريرا استخباراتية عسكرية افضت إلى تسريع ابرام تحالفات عسكريه تجمع كلا من الحلف الشمال الأطلسي والجمهورية الموريتانية بهدف تعزيز حماية الأمن القومي و تمثين سلامة الأمن في منطقة شمال وجنوب الساحل الافريقي،
ثم لجأ حلف الناتو الى توجيه دعوة رسمية لوزير الخارجية الموريتانية محمد سالم ولد مرزوك لحضور الجلسة النهائية بقمه الناتو بمدريد في يونيو 2022، لكون حلف الشمال الأطلسي تفطن بكون الأجندة الموريتانية شائكة ومعالجة ملفاتها تستلزم تضافر الجهود المشتركة لأعضاء حلف الناتو،
مما استوجب استدعاء الطرف الدبلوماسي الموريتاني سالم ولد مرزوك بخصوص ما يقع في شمال و جنوب الساحل الافريقي، وإستحضار المعطيات التاريخية التي تعود احداثها الى سنوات مضت منذ تواجد الرئيس الليبي معمر القذافي الذي كان ايضا مطلعا على جزء من الملف قبل سقوط الدولة الليبية.
تتبع الديبلوماسية الموريتانية إستراتيجية توسيع شبكة علاقاتها الدولية وضمان توازنها وتعزيز شراكاتها في اطار يحفظ أمن الجمهورية الموريتانية وتحالفاتها الاستراتيجية وتقوية اقتصادها مع وتجنب أي مزايدات أو خصومات مع الدول الشقيقة، نظرا لاستقلالية مؤسساتها و ترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية بها.
تعتبر موريتانيا جمهورية ذات سيادة وإستقرار فهي ليست في أزمة عسكرية لكي تبحث عن حماية أمنها، فسياستها تركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية في إطار التعاون البناء والإبتعاد عن المشاكل بقدر الإمكان لتجنب زعزعة إستقرار وحدتها الترابية وإستقرار إلدول المجاورة لها.
الموجه – عبدالحي ابن يعيش